إسرائيل (الجزء الأول)


الدولة الإرهابية
الذراع اللعينة للصهيونية

إذا دعمت بريطانيا اليهود للاستيطان في فلسطين… يمكننا أن نكون حراس لقناة السويس.’ (رئيس دولة إسرائيل عايزار وايزمن)

‘من حق إسرائيل أن تدافع عن نفسها كدولة…’
هكذا تبدأ الديباجة التي تشرع الإرهاب الإسرائيلي، وتتابع بأقاويل اُنتجت في مقرات الإمبريالية _ الصهيونية وعُرضت للاستخدام في ‘أسواقها’. فكيف هي دولة إسرائيل إذاً؟ وعلى أية أسس أخلاقية وقانونية وإيديولوجية وتاريخية ترتكز؟ وهل هي جزء من تلك الأراضي، إن لم تكن كذلك، كيف ولماذا وضعت فيها؟
لا ريب أن حقائق التاريخ لا يمكن قلبها رأساً على عقب. فحقيقة الإمبريالية وتاريخ الاستعمار هما المصدر لقيام العديد من البلدان على أسس اصطناعية. لكن إسرائيل تأتي على رأس هذه البلدان التي أقيمت على أساس العنف والدعم الإمبريالي المباشر. وهي ببنيتها الراهنة أكثر من كونها دولة ‘عادية’ هي جيش تحول إلى دولة، وأصبح سلطة عسكرية، ولذلك أيضاً ثمة بنية اجتماعية تتحلل يوماً بعد يوم. وهذه الحالة لا تنفصل عن مشروع الصهيونية وهي الإيديولوجية الرسمية لدولة إسرائيل وعن المصالح الإمبريالية في المنطقة. فهذه الاحتياجات لا يمكن أن تلبيها إلا دولة بمثل هذه البنية.
لفهم ما يدعو الإمبرياليين الأمريكيين والأوروبيين لدعم وحشية إسرائيل وسفكها الدماء في لبنان اليوم وفي فلسطين منذ عشرات السنين، علينا النظر إلى قيام دولة إسرائيل، ولذلك علينا قبل كل شيء النظر في ماهية الإيديولوجية الصهيونية.

ظهور الفكرة الصهيونية وتكوينها
الأب الروحي لفكرة الصهيونية هو الصحفي النمساوي ثيودور هرتزل، وقد ورد تعبيره السياسي لأول مرة في الكتاب المعنون ‘الدولة اليهودية’ الذي كتبه في عام 1895. ويذكر أنه بدأت في سنوات النصف الثاني من القرن التاسع عشر في روسيا القيصرية، وأوروبا الشرقية والوسطى الممارسات العنصرية اتجاه اليهود ووصلت إلى حد ارتكاب المجازر. ونرى في البلدان التي يعيش فيها اليهود بكثافة كبولندا وروسيا ثلاثة مفاهيم تنظيمية مختلفة حول النضال ضد العنصرية. وفيما شكلت الصهيونية إحدى هذه المفاهيم، كان تيار البوند ‘الاشتراكي’ وهو الاتحاد العام للعمال اليهود في ليتوانيا وبولندا وروسيا  أهم تيار في الحركة اليهودية. البوند الذي يدافع عن ‘التنظيم المستقل لليهود’ اتحد بعد فترة مع الحزب البلشفي، ومن ثم وبسبب نهجه القومي انفصل عنه وانضم إلى صفوف المنشفيين. أما الصهيونية فلم يتم تبنيها في تلك المرحلة إلا من قبل فئة صغيرة من اليهود. وفي تلك السنوات كان عايزار وايزمن أحد القادة الصهاينة الذي سيشغل فيما بعد منصب رئيس دولة إسرائيل يلخص الوضع في روسيا في التقرير الذي كتبه إلى هرتزل كالتالي: ‘الحركة الصهيونية فشلت في استقطاب أفضل عناصر من الشبيبة اليهودية… فالجماهير الطلابية اليهودية ويمكننا أن نقول بأكملها تدعم الحركة الثورية.’
كانت الشريحة العظمى من اليهود وخاصة المنخرطين في المنظمات التقدمية والثورية في روسيا تناضل ضد العداء لليهود. وقد عبر لينين الذي خاض سجالاً مع البوند القومي في تلك الفترة عن كيفية النضال مذكراً بالجذور الطبقية للعنصرية بقوله:
‘من أجل نضال ناجع ضد العداء لليهود والمحاولات القذرة للحكومة والطبقات المستغلة في التحريض على التمييز العرقي والعدائية القومية ينبغي تشكيل وحدة كاملة بين الطبقة العاملة اليهودية وغير اليهودية.’
أما الصهيونية من حيث الجوهر فتعتمد على فكرة أن النضال ضد العداء لليهود لا طائل منه، وأن الطريق الوحيد هو تأسيس اليهود لدولتهم. وحسب هذه الفكرة أن العداء لليهود ظاهرة لا مفر منها وهي في ‘طبيعة الإنسان’. والنتيجة الطبيعية لهذه الفكرة التي تتجاهل أن العنصرية نتيجة للمجتمعات الطبقية وأنها مرتبطة مباشرة بالرأسمالية هي أنه ‘طالما تغيير طبيعة الإنسان غير ممكن فعلى اليهود أن يقيموا دولتهم’. وهكذا فقط يمكن التخلص من العيش في بلدان أخرى كأقلية. وكتاب ‘الدولة اليهودية’ لهرتزل يتناول هذه الأفكار. أي فترة تكوين فكرة الصهيونية حتى لو كانت فيما بين 1880-1890 لا نستطيع الحديث عنها من الناحية السياسية والفلسفية إلا ما بعد عام 1890. وبعبارة أخرى ونظراً إلى العناصر الدينية والروحية التي أضيفت فيما بعد إلى الصهيونية فإن الادعاء بأن الصهيونية هي ‘حركة ممتدة لألفي عام’ ما إلا هراء.

أسطورة ‘عودة شعب الله المختار إلى أرض الميعاد’
فكرة الصهيونية تنطلق من نقطتين أساسيتين تستندان على تاريخ الميثولوجيا. الأولى؛ جميع اليهود الذين يعيشون على الكرة الأرضية منذ تهجيرهم من أراضيهم من قِبل ملك بابل قبل ألفي عام، يحلمون بالعودة إلى تلك الأراضي أي إلى ‘الوطن الأم’. الثانية؛ يدعون استناداً إلى ذلك أن جميع اليهود تم ‘تهجيرهم’ وهم صهاينة منذ الأزل. وتتغذى فكرة الصهيونية من حيث منشأها الديني من أجزاء من التوراة وهو الكتاب المقدس لليهودية. وحُولت الأجزاء التي تقول أن اليهود هم ‘شعب الله المختار’ والأراضي الفلسطينية هي ‘أرض الميعاد’ وجميع اليهود سوف يعودون إليها إلى عناصر أساسية في أدبيات الصهيونية. وموازياً إلى هذه الصيغة أعدت دعاية على نطاق واسع ودائم بأنهم ‘قوم مهجر ومظلوم’، وفرضت على العالم الغربي كحقيقة لا نقاش حولها. وتعرضهم لظلم النازية في فترة حرب التقاسم الثانية يستخدم من قبل الإيديولوجيا الصهيونية بشكل فعال كعنصر داعم أكثر فأكثر لهذه الدعاية منذ ذلك اليوم حتى يومنا هذا. (الوحشية النازية شكلت بالنسبة لجميع اليهود تقريباً نقطة انعطاف في تبنيهم لفكرة الصهيونية التي لم تكن حينذاك فعالة فيما بينهم).
لا يحتوي كتاب ‘دولة اليهود’ لهرتزل الذي لم يكن متديناً بالأساس عنصراً دينياً. لكن نُظر إلى الدين على أنه يمكن أن يلعب دورا ًهاماً في إنشاء الدولة اليهودية، وحُول إلى عنصر أساسي للفكرة الصهيونية. ورغم ذلك إذا ما نظرنا إلى هجرة اليهود في هذه السنوات نرى بأنهم غير ملتزمين على الإطلاق بالأوامر التوراتية. على سبيل المثال من بين أربعة ملايين يهودي هاجروا بين عامي 1880-1929 ذهب فقط 120 ألف إلى فلسطين (حيث الأغلبية الساحقة من هؤلاء هربوا من روسيا بعدما ارتكبت بحقهم مجزرة في قرية كيشينيف في نيسان عام 1903)، وثلاثة ملايين ومئتين وخمسين ألف إلى الولايات المتحدة الأمريكية و490 ألف إلى أوروبا الغربية.
عقد أول مؤتمر للصهيونية العالمية في مدينة بازل السويسرية في عام 1897. وحدد في هذا المؤتمر أن ‘هدف الصهيونية هو قيام دولة يهودية في الأراضي الفلسطينية محمية قانونياً’. وبالعودة إلى هرتزل الأب الروحي للصهيونية نجد أن اختيار الأراضي الفلسطينية لقيام الدولة قد قرر فيما بعد لأن هرتزل في البداية كان يرى أن الأراضي الأرجنتينية هي المناسبة لإقامة هذه الدولة وقام بمبادرات في هذا الاتجاه. غير أن  كما ذكرنا سابقاً بسبب تفكيره بأهمية العنصر الديني والروحاني في خلق الوعي ‘القومي’، قرر اختيار فلسطين.

حاجة الإمبريالية والصهيونية
الفكرة الصهيونية كما هو في جميع الأفكار تشكلت وفق ما تتسم به الظروف التاريخية التي تبلورت فيها. وعلينا أن نبحث الأسس المادية للصهيونية ضمن هذه الحقائق. تطورت الفكرة الصهيونية انسجاماً مع الإمبريالية الأوروبية التي كانت مهيمنة على العالم في أواخر القرن التاسع عشر وكجزء من الفكرة الاستعمارية. كما تبين في السنوات التالية أن جميع الأدوات والأقاويل التي استخدمت من أجل إعطاء المشروعية للاستعمار الإمبريالي استخدمت أيضاً من قبل الصهاينة. ولا شك أن الفكرة السائدة في إقامة الدولة لم تنطلق اعتماداً على القوة الذاتية بل على إحدى القوى الإمبريالية في تلك المرحلة. وبالطبع البحث في ذلك سيكون على هذا النحو.
وبناءً على القرار الذي اتخذ في مؤتمر الصهيونية تم التقدم بطلب الأراضي من الإمبراطورية العثمانية التي تسيطر على الأراضي الفلسطينية ولكن دون جدوى. وفي غضون ذلك، كان هرتزل والقادة الصهاينة الآخرون يجرون محادثات مع القوى الإمبريالية الكبرى آنذاك لكسب الدعم. على سبيل المثال هرتزل بحد ذاته أجرى محادثات ومراسلات مع القيصر الألماني ومع اللورد سيسل رودز وزير المستعمرات الشهير للإمبريالية البريطانية، وحتى مع وزير الداخلية لروسيا القيصرية المنظم للمجازر التي ارتكبت بحق اليهود وعلى رأسها التي ارتكبت في قرية كيشينيف. وبالطبع كل هذه المساومات التي طرحت على القوى الإمبريالية كافة بنيت على أساس المصالح المتبادلة. الأساس الذي اعتمده هرتزل في حديثه معهم هو: سنستعمر فلسطين باسمكم وسنقيم دولة في الشرق الأوسط بما يتناسب مع الحضارة الأوروبية.
هذه الفكرة التي تتطابق تماماً مع وجهة نظر الإمبريالية توضح المهمة التي أسندت إلى الصهيونية. وبهذا المعنى ليس من قبيل الصدفة أن يكون جميع الآباء الروحيين للفكرة الصهيونية من يهود أوروبا الغربية وأمريكا. والأمر الذي لا نقاش حوله أنه في تلك المرحلة كانت فكرة الإمبريالية مهيمنة على أوروبا التي تشكل فيها فكر هرتزل والقادة الصهاينة الآخرين. وكانت تعيش فيها التيارات العنصرية والقومية الأوسع انتشاراً. وكانت الدعاية التي تنادي ‘بنشر الحضارة والتمدن’ والتي تردد لإعطاء المشروعية للاستعمار مرحب بها دون نقاش. ولن نكون مبالغين إذا ما قلنا أن هذه الحالة كانت سائدة بين المثقفين في تلك الفترة مع بعض الاستثناءات. وأعطى القادة الصهاينة الذين نشأوا في مثل هذا المناخ الفكري الأهمية لقيام دولتهم تبعاً للمشروع الإمبريالي وللتركيز على ‘نشر التمدن’ كجزء منها.
على سبيل المثال قال هرتزل في إحدى رسائله التي طلب فيها دعم القادة الإمبرياليين: ‘سنكون في فلسطين جزءاً من خط الدفاع عن أوروبا ضد آسيا، وسنشكل الخط الأمامي للحضارة ضد البربرية، كما سنكون على اتصال مع أوروبا كدولة حيادية، ومقابل ذلك ستضمن أوروبا الحفاظ على حياتنا’.
هذا الكلام الذي يعكس ما يجري اليوم والذي لا يستدعي أي تفسير، سيردد على الدوام على مسامع الإمبرياليين البريطانيين الذين استولوا على الأراضي في فلسطين والشرق الأوسط وخاصة بعد حرب التقاسم الأولى. وبعد هذه المرحلة حسم الصهاينة عند أي باب سيتسولون. وتتوقف المسألة على مدى ‘إقناع’ البريطانيين. في إحدى جولات الإقناع هذه، كتب وايزمن في إحدى الصحف البريطانية (كما يكتب اليوم رؤساء الوزراء للبلدان المستعمرة في الصحف الأمريكية) ما يلي: ‘إذا دعمت بريطانيا استيطان اليهود في فلسطين… يمكننا بالمقابل تطوير ذلك البلد ونقل الحضارة إليه ومن ثم نصبح حراس قناة السويس.’
القوى التي قبلت أن تكون كلب حراسة للإمبريالية قبل أن تصبح دولة فلن تتغير مهمتها بعد أن تصبح دولة حتى لو تبدل سيدها الإمبريالي. إلا أن بعد ثلاثة سنوات من تأسيس الدولة وتحديداً في عام 1951 أصبحت الإمبريالية الأمريكية هي السيد بدلاً من بريطانيا، وكانت صحيفة هآرتس الإسرائيلية الأكثر انتشاراً توضح مهمة الدولة هذه كالتالي: ‘تقوية إسرائيل تساعد القوى الغربية للحفاظ على التوازن والاستقرار في الشرق الأوسط. فإسرائيل تقوم بدور كلب الحراسة… ولن تتردد في معاقبة أي بلد جار لها في حال أخل بقواعد الاحترام نحو الغرب أكثر مما هو مسموح به.’

الراعي الأول للصهاينة؛ الإمبريالية البريطانية
جولات الإقناع التي تمت مع الإمبريالية البريطانية أعطت أكلها، فقد أعلنت الإمبريالية البريطانية في عام 1917 دعمها لليهود للاستيطان في فلسطين من خلال ‘وعد بلفور’ الذي يحمل اسم وزير خارجيتها آنذاك. لا شك أن إعطاء بريطانيا لهذا القرار لا ينبع من ‘حبها لليهود’، أو من تأنيب الضمير بسبب تعرض اليهود للقمع على مدى السنين.
أولاً؛ بريطانيا كانت بحاجة لدعم العرب من أجل استعمار الأراضي الواقعة تحت سيادة الدولة العثمانية. ولذلك لم تقدم الدعم للصهاينة حتى عام 1917. لكن عندما لم تف بوعدها لإقامة ‘الدولة العربية’ الذي قطعته للعرب الذين وقفوا لجانبها ضد العثمانيين، ازداد العداء للبريطانيين بشكل كبير في المنطقة. وهذه الحالة سهلت عمل الصهاينة. لأن بريطانيا بحاجة لعملاء من أجل السيطرة على المنطقة. فوقع اختيارها على الصهاينة. ثانيا؛ وارتباطاً بما سبق، الأهمية التي تشكلها المنطقة بالنسبة لبريطانيا. ففضلاً عن ثروات الشرق الأوسط (لم تكن الثروات النفطية معروفة في تلك الفترة بعد) كانت تسعى أساساً لتوفير الضمانة للهند البلد المستعمر الأهم آنذاك. لأن بموجب ‘قانون تفاوت التطور’ للرأسمالية تصبح القوى الرأسمالية الأخرى بسرعة فائقة منافسة للإمبراطورية الإمبريالية لذلك قناة السويس تشكل محوراً مهماً من أجل أمن الهند. ومن هنا يكتسب كلام الصهاينة القائل ‘سنكون كلب الحراسة في قناة السويس’ معنى أكثر.
الإمبريالية البريطانية التي قطعت وعداً للعرب بإنشاء ‘الكونفدرالية العربية’ استخدمت من جهة أخرى العملاء العرب في استيطان الصهاينة في المنطقة. وقد التقى فيصل نجل الشريف حسين الذي من المفترض أن يتسلم رئاسة الكونفدرالية المنتظرة ووايزمن بوساطة ت.أ. لورانس المعروف ‘بلورانس العربي’ وفرض عليهما إبرام اتفاقية. ووفق هذه الاتفاقية سيتم الاعتراف باستقلال العرب ومقابل ذلك سيتم إنشاء دولة على أراضي فلسطين يعيش فيها الشعبين جنباً إلى جنب. شطب الجانب البريطاني عبارة ‘استقلال العرب’ من نص الاتفاقية. وعندما قال فيصل في نفس الآونة لصحيفة فرنسية أن الشعب الفلسطيني ‘سيرحب’ باليهود في حال عينت سلطة من قبل عصبة الأمم، لم يتأخر لورانس بكتابة رسالة باسم فيصل. تحدث فيها ‘نرى في مشاريع الصهاينة اعتدال إلى حدِ كبير’ وكذلك عن التعاون بين الشعبين. وحينذاك كلف الأمير فيصل للقيام بالدور الذي تلعبه اليوم  الأنظمة العربية العميلة في مصر والأردن والمملكة العربية السعودية، وبذلك يكون قد وجدوا الصوت الداعم للصهاينة من ‘العالم العربي’ أيضاً. وفي الوقت الذي كانت تتحدث فيه الإمبريالية البريطانية للعرب عن ‘الكونفدرالية’، كانت تواصل مع فرنسا أيضاً مساومتها حول تقسيم الشرق الأوسط، وهكذا كان يتم رسم الحدود الاصطناعية من قبل الإمبرياليين بدماء الشعب العربي التي تسفك وعلى رأسهم الشعب الفلسطيني. وما يوجد اليوم من حدود هي نتاج لتلك الفترة.
في هذه السنوات التي كانت فيها فلسطين تحت الانتداب البريطاني أسس الصهاينة أول منظمة من عصابات الصهيونية الهاغانا التي ستشكل نواة الجيش فيما بعد (1920). وقد قامت العصابات الصهيونية التي سيزداد عددها لاحقاً بالعديد من الاعتداءات تحت اسم ‘الدفاع عن النفس’ كي تهجر المجتمع الفلسطيني بعد ترهيبه. وفي هذه الاعتداءات استخدم العنف بوحشية كسياسة متعمدة وفي أغلب الأحيان نجحوا في إرهاب الفلسطينيين مما أدى إلى تهجيرهم. ومن جهة أخرى بذل الصهاينة جهوداً حثيثة لتشجيع هجرة اليهود من كافة أنحاء العالم إلى فلسطين. وهذا كان ضرورياً من أجل تحقيق الأغلبية في النسبة السكانية، وكذلك لتلبية الحاجة للأيدي العاملة التي ستعمل في المنشآت التي أسست بالأموال التي حصلت عليها من المؤسسات الصهيونية الدولية. بيد أنه وكما سنتناول في الجزء الثاني من هذه السلسلة من المقالات، فكرة الصهيونية هي عنصرية ولأنها تريد إنشاء مجتمع فيه ‘حتى الحرامي يهودي’ لا تريد  تشغيل العمال العرب. والحل الذي اوجدته هو تشجيع اليهود الشرقيين للمجيء، مع أنها أساساً تنظر إليهم على أنهم من الدرجة الثانية وتصفهم بأنهم ‘بنفس المستوى الثقافي مع الفلاح العربي’. ولكن في نهاية المطاف تم اختيارهم لكونهم يهود. على سبيل المثال، المبشرون الصهاينة الذين أرسلوا إلى اليمن كانوا ينشرون بين المجموعات اليهودية هناك دعاية أن ‘عودة المسيح قد اقتربت’ وهو اليوم الذي من المفترض أن يجتمع فيه كل اليهود في أرض الميعاد كما ذكر في التوراة، وأن ثروات جمة في أراضي فلسطين تنتظر جميع اليهود.

ترجم هذا المقال عن مجلة المسيرة (YURUYUS) الأسبوعية من العدد 65، بتاريخ 13 آب  2006

,